بعض الأصوات لا تُنسى، لأنها لا تخاطب الأذن بل القلب.
هكذا كان صوت الأب مكاري يونان…
حين كان يصلي، كنت تشعر أن السماء تقترب، وأن الله حاضر في المكان.… حمل صرخة الإيمان الحي.
الأب مكاري يونان – الكاهن الذي لم يكتفِ بأن يتحدث عن الله، بل عاش حضورَه في كل لحظة من حياته.
وُلد في القاهرة سنة 1944، في بيت قبطي بسيط مملوء بالمحبة والصلاة، منذ صغره، كان ينجذب إلى المذبح أكثر من اللعب، وكأن الله كان يُعد قلبه بهدوء لرحلة طويلة في خدمته.
سيم كاهناً عام 1978 على يد قداسة البابا شنودة الثالث، ليبدأ من هناك فصلاً جديداً من خدمته على مذبح كنيسة مارمرقس بالأزبكية، حيث صار بيته الثاني، ومكان صلاته، وشهادة حياته.
لم يكن الأب مكاري مجرد واعظ أو خطيب، بل خادم يؤمن أن المسيحية ليست نظريات، بل حياة تُعاش بقوة الروح القدس.
كان يجتمع حوله الآلاف كل أسبوع، يسمعون كلمة الله، ويرون إيماناً بسيطاً لكنه عميقاً، صادقاً لكنه جريئاً.
اشتهر بخدمته التي حملت بُعداً روحياً وإنسانياً في آنٍ واحد – يصلّي مع المرضى، ويعزي المنكسرين، ويذكّر الناس أن الله لا يزال حاضراً، وقادراً أن يغيّر المستحيل.
في كل عظة، كان صوته يحمل حرارة القلب لا فقط نغمة الكلمة، كان يقول:
“إن الإيمان ليس كلمات تُقال، بل نار تشتعل في القلب وتغيّر الواقع.”
واجه انتقادات كثيرة من البعض، خاصة بسبب خدمته المميزة في الصلاة والتحرير، لكنه لم يتراجع يوماً.
كان يرد بابتسامة هادئة: “أنا خادم، والله وحده صاحب العمل.”
ورغم ما ناله من شهرة واسعة في الإعلام والناس، بقي قلبه بسيطاً، محباً، يفيض اتضاعاً.
لم يسعَ إلى مجد أو سلطة، بل إلى النفوس الضائعة التي تحتاج أن تعرف محبة المسيح.
كثيرون قالوا إن لقائه كان يترك فيهم شيئاً لا يُنسى… سلاماً غريباً، ودموعاً تُعيد الإيمان للحياة.
وفي يناير عام 2022، أغمض الأب مكاري عينيه بعد رحلة امتدت أكثر من أربعة عقود في الخدمة، لكن صوته ما زال يرنّ في ذاكرة الذين أحبّوه:
رحل الجسد، لكن الرسالة باقية:
أن الله لا يحتاج إلى عظماء ليفعل المعجزات، بل إلى قلوب تصدّق أنه إله الحاضر، إله المستحيل.
قصة الأب مكاري يونان تذكّرنا أن الخدمة ليست مقاعد ولا منابر، بل نار مقدسة تشتعل في قلب من يحب الله حقاً.
وأن من يعيش بالإيمان، حتى لو رحل صوته، يبقى أثره حيّاً في كل من لمسهم بحياته.

