في زمنٍ الكل كان يبحث فيه عن النجاح والمكانة، ظهرت امرأة هادئة الملامح، قصيرة القامة، لكنها كانت عملاقة في المحبة.
لم تكن تسعى إلى الشهرة، ولا تطلب تصفيقاً من أحد، بل كانت تسمع نداءً واحداً فقط: “اخدمي يسوع في أفقر الفقراء.”
هي *الأم تريزا*، التي لم تغيّر العالم بالكلمات، بل بالأفعال الصغيرة التي صنعت فرقاً عظيماً.
وُلدت سنة 1910 في مدينة بسيطة بمقدونيا، في عائلة مسيحية مؤمنة. منذ طفولتها، تعلّمت أن الإيمان ليس صلاةً فقط، بل محبة تُترجم في العطاء.
وفي سن الثانية عشرة، شعرت بدعوة داخلية قوية تُخبرها أن حياتها ستكون للآخرين. دخلت دير راهبات “أخوية لوريتو”، وبعد سنوات أُرسَلت إلى الهند لتبدأ هناك أعظم فصول قصتها.
لكن ما كان ينتظرها في الهند لم يكن سهلاً…
شوارع كالكوتا (مدينة هندية) كانت مليئة بالمرضى والمنبوذين والجوعى، والموت يملأ الأزقة كأنه جزء من الحياة اليومية.
وفي يومٍ من عام 1946، وهي في القطار إلى دارجيلينغ، سمعت في داخلها صوت الرب يقول لها: “اتركي الدير… وكوني نوري بين أفقر الفقراء
كانت لحظة حاسمة. تركت الراحة، ونزلت إلى الشوارع بثوب أبيض بسيط وخط أزرق يرمز للرجاء. بدأت بمفردها مدرسة صغيرة وبيتاً بسيطاً للمهمشين، ثم انضمّت إليها نساء أخريات يحملن نفس الرسالة.
أسّست الأم تريزا *رهبنة “الإرسالية الخيرية”*، التي امتدت فيما بعد إلى كل قارات العالم.
فتحت بيوتاً للأيتام، ومستشفيات للمرضى، ومراكز للعجزة والمنبوذين.
لم ترفض أحداً، ولم تسأل عن دينٍ أو لون أو بلد.
ومع الوقت، أصبحت رمزاً عالمياً للسلام والمحبة.
وفي عام *1982*، أثناء الحرب في لبنان، طلبت من المتحاربين وقف إطلاق النار مؤقتاً لإنقاذ ((37 طفلًا) كانوا عالقين وسط النيران في بيروت.
وبإيمانها وشجاعتها، تحقّق ما طلبت، وتوقفًت الحرب لعدة ساعات… فقط لأن امرأة واحدة طلبت ذلك بإسم المحبة.
حتى عندما فازت بجائزة نوبل للسلام عام 1979، رفضت العشاء الرسمي وقالت:
“دعوا المال يُطعِم 400 طفل جائع الليلة.”
هكذا كانت ترى العالم — مكاناً يحتاج إلى الحب أكثر من أي شيء آخر.
لقد غيّرت الأم تريزا نظرة العالم للمحبة المسيحية، وأعادت تعريف القداسة.
لم تكن قديسة لأنها لم تخطئ، بل لأنها “أحبّت رغم التعب، وابتسمت رغم الوجع، وأعطت رغم الفقر.”
حين ننظر إلى حياة الأم تريزا، نكتشف أن التغيير لا يحتاج إلى مال كثير ولا إلى قوّة خارقة، بل إلى قلب يختار أن يحب بصدق.
الأم تريزا علّمتنا أن المحبة ليست مشاعر عابرة،
بل *قرارٌ شجاع أن نكون نوراً في مكان يعاني من الظلمة.*
وكل واحد منا مدعّو أن يكون هذا النور، في بيته، في عمله، في مجتمعه.
لأن الله لا يسألنا عن مقدار ما فعلنا، بل عن مقدار *المحبة* التي وضعناها في كل ما نفعل.
وهذا كان سرّ الأم تريزا… وسرّ كل قلب قرر أن يعيش من أجل الآخرين.
