أحياناً يولد بعض الناس كأن في أرواحهم ناراً لا تهدأ…
نارٌ لا تلتهم، بل تُضيء.
هكذا كان رينهارد بونكي – المبشّر الألماني الذي حمل شعلة الإيمان من قلب أوروبا الباردة إلى قارة إفريقيا المتقدة بالحياة، وهو يصرخ من أعماق قلبه: “إفريقيا ستخلص!”
وُلد رينهارد بونكي عام 1940 في ألمانيا، في بيت مؤمن بسيط، وسط أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث الألم والخوف يملآن كل بيت.
كان والده قسيساً، ورغم الفقر والدمار، زرع في ابنه حب الصلاة والإيمان بأن الله قادر أن يبدأ من الرماد حياة جديدة.
وفي سن التاسعة، سمع بونكي نداءً داخلياً غيّر مصير حياته، حين قال له الرب في قلبه:
“ستذهب إلى إفريقيا لتكرز بإنجيلي.”
منذ تلك اللحظة، لم يعد العالم كما كان في عينيه.
درس اللاهوت في إنجلترا، وتزوّج من آني، المرأة التي كانت شريكته في الدعوة والحلم.
وفي عام 1967 حمل قلبه المشتعل إلى قارة إفريقيا، وبدأ خدمته في ليسوتو – دولة صغيرة في جنوب القارة.
كانت البداية صعبة: القليل من الناس، الموارد محدودة، واللغة غريبة.
لكنه كان يرى ما لا يراه الآخرون… كان يرى إفريقيا تشتعل بنور الإنجيل.
يومماً بعد يوم، بدأ بونكي يختبر قوة الله بصورة غير عادية.
كان يصلّي فيرى الشفاء، ويكرز فيمتلئ الناس رجاء.
لكنه شعر أن الله يدعوه لشيء أعظم من مجرد كنيسة محلية.
وفي لحظة صلاة عميقة، سمع الصوت في داخله بوضوح يقول له: “فكّر بملايين لا بآلاف!”
ومن تلك الليلة، تغيّر كل شيء.
أسّس في عام 1974 خدمته الشهيرة “مسيح لأجل كل الأمم (Christ for All Nations)”
وانطلقت الحملات الكرازية من خيمة صغيرة إلى ساحات تتسع لملايين الناس.
في نيجيريا، في أنغولا، في كينيا، في جنوب إفريقيا…
كان يرفع صوته كمن ينفخ في نار الروح، فيأتي الناس أفواجاً من كل قرية ومدينة، بعض التجمعات وصلت إلى أكثر من مليونين في اجتماع واحد.
كانت عظاته بسيطة لكنها تلمس العمق، كلماته مشبعة بالحب والرجاء:
“دم يسوع أقوى من خطاياك… والسماء مفتوحة لمن يؤمن!”
تجلّت قوّة رسالته في الإيمان بأن المعجزات ليست استثناءً، بل وعدٌ حيّ، وأن كل إنسان يمكن أن يختبر خلاص الله بنفسه.
لم يكن بونكي مجرد واعظ على منصة، بل أباً روحياً لآلاف الخدام الشباب، يشجعهم دائماً أن يعيشوا “الإنجيل بطريقة نارية”
كتب كتباً مؤثرة تُرجمت لعشرات اللغات، من أشهرها:
((الكرازة النارية – إيمان وسط الظلام – اظهارات عظيمة – كيف تنال معجزة من الله؟ ….)
وفي كل صفحة من كتبه، نبرة حقيقية من قلب عرف ما معني أن يحترق حباً بالله.
عُرف عنه أيضاً إيمانه العميق بالصلاة والصوم كقوة تحرّك السماء،
وكان يقول دائماً: “الصلوات الباردة لا تصنع جحيماً يرتجف… لكن الصلاة الملتهبة تحرّك يد الله.”
رحل رينهارد بونكي عن هذا العالم في ديسمبر عام 2019لكن ناره لم تنطفئ.
خدمته لا تزال مستمرة حتى اليوم بقيادة تلاميذه الذين تعلّموا أن الكرازة ليست مهنة، بل نداء حياة.
وفي جنازته التي حضرها الآلاف، كان الناس يبكون من الحزن لفقد رجل عظيم في تأثيره لأنهم عرفوا أن رجلاً من ألمانيا جعل إفريقيا تنبض بالحياة الأبدية.
قصة رينهارد بونكي ليست قصة رجل خارق، بل قصة قلب قال لله: “ها أنذا أرسلني.”
فأشعل الله به قارة كاملة.
وربما وأنت تقرأ هذه الكلمات، تشعر أن العالم مُظلَم أو أنك صغير جداً لتصنع فرقاً…
لكن تذكّر:(( الله لا يحتاج إلى نجوم عظيمة، بل إلى قلوب مشتعلة)).
دع نيرانك الصغيرة تشتعل – فربما تكون أنت الشرارة التي تُنيرجيلك بل والعالم أجمع كما فعل بونكي.

