أحياناً تبدأ أعظم التحوّلات في لحظات الصمت…
تلك اللحظات التي ينهار فيها كل ما كنا نظنه يقيناً، ونكتشف أن المعرفة وحدها لا تُشبع القلب.
هكذا بدأ الطريق مع ديريك برنس – الرجل الذي ظن أن العقل هو مفتاح كل شيء، قبل أن يكتشف أن الله وحده هو الحقيقة التي لا تُدرك إلا بالروح.

وُلد ديريك عام 1915 في الهند لعائلة بريطانية، ونشأ في بيئة أرستقراطية تؤمن بالقوة والعلم أكثر من الإيمان.
التحق بجامعة كامبريدج، ودرس الفلسفة واللغات القديمة، وكان يعتقد أن الإجابات كلها موجودة في الكتب.
لكنه كلما تعمّق في المعرفة، ازداد جوعه الداخلي، وكأن عقله امتلأ بينما قلبه ظلّ فارغاً.

وخلال الحرب العالمية الثانية، حين كان يخدم في الجيش البريطاني في الصحراء الليبية، حدثت اللحظة الفاصلة.
في عزّ العزلة والخطر، وجد إنجيلاً صغيراً كان قد أخذه من دون اهتمام.
بدأ يقرأه بدافع الفضول، لكنه لم يستطع التوقف.
كلماته اخترقت عقله الفلسفي، لتصل إلى أعماق قلبه.
هناك، وسط رمال الحرب وصوت المدافع، اختبر حضور الله للمرة الأولى، فركع على ركبتيه قائلاً:
“يا رب، إن كنت حقيقياً كما تقول كلمتك، امتلك حياتي بالكامل.”

ومن تلك اللحظة، لم يعد ديريك كما كان.
تحوّل من فيلسوف يبحث عن الحقيقة، إلى رجل وجدها وكرّس عمره ليُعلنها.

بعد الحرب، بدأ دراسة الكتاب المقدس بعمق، وتفرّغ للتعليم والخدمة.
تزوّج من ليديا- ممرضة دنماركية كانت تخدم اللاجئين – وبدأ معها رحلة إيمان مليئة بالمعجزات، حيث تبنّيا عدداً كبيراً من الأطفال الأيتام من خلفيات متعددة، ليصبح بيته نموذجاً لعائلة تمتد عبر الأمم.

امتاز ديريك بأسلوب تعليمي عميق وبسيط في الوقت نفسه، يجمع بين الفكر الكتابي والدقة المنهجية.
كان يشرح الحقائق الروحية كعالم، لكنه يعيشها كطفل مؤمن.
تكلم عن قوة الصلاة، وعن سلطان كلمة الله، وعن الشفاء والتحرير من قيود الخطية.

كتب أكثر من خمسين كتاباً تُرجمت إلى عشرات اللغات، من بينها:

((أسرار المحارب في الصلاة – قوة اسمه – البركة أو اللعنة – أقوي ثلاث كلمات..))
هذه الكتب لم تكن نظريات جامدة، بل ثمار حياة عاشها بالعمق، وجسّد فيها أن الكلمة ليست مجرد تعليم، بل قوة تغيّر الواقع.

كانت حياته شهادة عملية على أن الإيمان ليس هروباً من الفكر، بل اكتماله.
هو الفيلسوف الذي اكتشف أن أسمَي حكمة هي الخضوع لمشيئة الله.
والمدرّس الذي علّم الملايين حول العالم أن معرفة الحق ليست هدفاً، بل بداية طريق نحو الحرية.

رحل ديريك برنس عن العالم عام 2003 لكن صوته لا يزال حاضراً من خلال  الآف العظات التي تُبث يومياً بلغات متعددة.
صوته هادئ، لكنه يوقظ الروح، وكأن كلماته ما زالت تقول:
“لا تكتفِ بمعرفة الله بعقلك… بل اختبره بقلبك.”

ربما أنت أيضاً تبحث عن معنى لحياتك، أو إجابة لأسئلة لا تنتهي،
ربما تشعر أنك غارق في الأسئلة، أو أن حياتك لا تحمل معنى واضحاً،
لكن الله لا ينتظر منك أن تكون عَالماً لتقترب منه – هو فقط يريد قلباً صادقاً يبحث عنه.
ديريك برنس لم يبدأ بطلاً في الإيمان، بل باحثاً تائهاً، لكن الله حوّل بحثه إلى دعوة، وشكّه إلى يقين. فكما استخدم الله ديريك برنس ليُغيّر أجيالاً، يمكنه أن يستخدمك أنت لتصنع فرقاً في عالمك.
ابدأ من حيث أنت، حتى وإن كان إيمانك صغيراً فالإيمان الصغير في يد الله يصنع معجزات كبيرة.